الثوب، زي الرجل المنتشر في أنحاء الجزيرة العربية، لم يظهر كجزء من التقاليد فجأة. بل كان وليدًا لحاجة واقعية فرضتها بيئة قاسية تتطلب لباسًا يحمي من تقلبات الجو، ويُنتج بموارد محدودة، ويُناسب نمط الحياة اليومي.
الصوف وأصول الثوب (ما قبل الإسلام حتى القرن الأول الهجري)
في الفترات التي سبقت الإسلام، بدأ البدو في استخدام الصوف كخيار أساسي لصناعة الثوب. كانوا يعيشون في بيئة صحراوية متطرفة، بدرجات حرارة متقلبة بين الليل والنهار، وكانوا بحاجة إلى خامة توفر العزل والتهوية في نفس الوقت.
الصوف كان يُجمع من الأغنام والماعز، يُنظف ويُغزل يدويًا، ثم يُنسج على أنوال بدائية تُثبت على الأرض، هذه الطريقة كانت عملية للمجتمعات البدوية التي اعتادت الترحال. النتيجة كانت ثيابًا طويلة و واسعة، غير مصبوغة، خشنة، لكنها فعالة وظيفيًا.
شعر الإبل: بديل فعال للظروف القاسية (من القرن الأول إلى السابع الهجري)
في المناطق الأبرد وفي أوقات الترحال، بدأ استخدام شعر الإبل لصناعة الطبقات الخارجية مثل المشالح. شعر الإبل كان يعزل بشكل أفضل من الصوف، ويقاوم الرطوبة، لكنه خشن ولا يُستخدم مباشرة على الجلد. لذلك استُخدم للمعاطف كالمرودن والبمشالح التي تُلبس فوق الثوب.
هذا الاستخدام استمر لعدة قرون، خاصة بين القرن الأول والسابع الهجري، وكان أكثر شيوعًا في المناطق الشمالية والوسطى من الجزيرة.
دخول القطن كخامة جديدة وتوسع في الاستخدام (من القرن الأول إلى التاسع الهجري)
مع توسع طرق التجارة العالمسة والإقليمية، بدأ القطن بالوصول إلى الجزيرة، خاصة من خلال الحجاز واليمن والموانئ الشرقية. ومع حلول العصر العباسي (القرن الثاني إلى الرابع الهجري)، بدأ القطن يحل محل الصوف في بعض المناطق، خصوصًا الحارة والرطبة.
القطن غالبًا لم يُنتج محليًا بل استُورد من الهند وفارس ومصر. وكان مفضلًا لثياب النهار بسبب نعومته وتهويته. المدن ذات المناخ الرطب مثل جدة وعدن والهفوف بدأت تعتمد على القطن بشكل أساسي.
الأقمشة المستوردة والتكيّف المحلي (من القرن العاشر إلى الثالث عشر الهجري)
في القرن العاشر الهجري، زادت حركة الاستيراد، وصارت الموانئ الخليجية مثل الأحساء والبحرين نقاط دخول للأقمشة الهندية والفارسية مثل الموسلين والكامبريك والمزائج القطنية مع الحرير أو الكتان.
مجتمعات المنطقة الوسطى والبعيدة عن السواحل والموانئ كانت تكتفي بأقمشة بسيطة، أحيانًا من إنتاج محلي وأحيانًا من التجار المتنقلين. ومع تنوع الخامات، بدأ الخياطون يكيّفون تصميم الثوب بحسب نوع القماش المستخدم. ففي نجد فضّلت الأقمشة الأثقل، بينما منطقة الحجاز مالت إلى الأقمشة الأخف.
المواد الحديثة والصناعة (من القرن الرابع عشر الهجري حتى اليوم)
في القرن الرابع عشر الهجري، بدأت الألياف الصناعية مثل البوليستر تدخل السوق. هذه المواد تُنتج معمليًا، رخيصة وسهلة الاستخدام، لكنها تفتقر إلى الراحة والتهوية المطلوبة في بيئة الجزيرة.
ومع الوقت، بدأ بعض الناس يرجعون لاستخدام القطن أو مزجه بخامات أخرى في الأقمشة المستخدمة للثياب. ومع توسع طرق التجارة العالمية، اعتمد تجار الأقمشة في الجزيرة العربية على استيراد الأقمشة من مصانع متخصصة في الهند وأوروبا وشرق آسيا.
لماذا يجب أن نعير خامات أقمشة الثياب أهمية؟
يظل نوع القماش هو العامل الأساسي في راحة الثوب وجودته. الدراسات الحديثة تؤكد أن الأقمشة الطبيعية مثل الصوف والقطن تتفوق في العزل وتنظيم الرطوبة مقارنة بالأقمشة الصناعية. دراسة نُشرت في عام 1441هـ في The Journal of Natural Fibers أوضحت أن الخامات الطبيعية تساعد الجسم على تنظيم حرارته والتعامل مع تغيّر درجات الحرارة، وهي نقطة يجب فهمها في بيئة مناخية مثل الجزيرة. (المصدر: PubMed ID: 32284422)